قالو بأن سوق البحث الالكتروني الصيني يتحكم به العملاق الأمريكي جوجل ، خطأ غير مقبول و دلالة على جهل طبيعة و تركيبة السوق الصينية التي تزخر بفرص إستثمارية كبرى لا تقارن أبدا ، فهنا في دولة التنين الأصفر لا كلمة تعلوا عن صوت baidu في مجال البحث الإلكتروني “الأصفر”!
و تقول أخر الاحصائات و التقارير القادمة من بيجين أن baidu يستحوذ على 90 في المئة تقريبا من عدد طلبات البحث التي تتم في الويب الصيني ، فيما يتعارك جوجل و بينج و بقية محركات البحث المحلية و العالمية على العشرة في المئة المتبقية.
إذن هو واقع معاكس و مغاير كليا مع ما يجري في سوق البحث الالكتروني العالمي ، الذي يسيطر عليه جوجل إذ أن أغلبية طلبات البحث الالكتروني تتم على العملاق الأمريكي بينما الأخرين يتنازعون على الفتات و في ذات الوقت لا سيطرة لــ baidu خارج سور الصين العظيم .
و هنا نستخلص أن محرك البحث الصيني baidu يتمتع بسيطرة كبيرة في المجال الصيني بينما جوجل يسيطر على العالم تقريبا. فالأول يفهم احتياجات الفرد الصيني و يحاول تقديم أفضل نتائج بحث تتناسب مع طموحاته و ما يبحث عنه و في ذات الوقت تتقاطع مع السياسة الوطنية للصين ، عكس جوجل الذي يتيح أفضل نتائج البحث الممكنة للمستخدمين في مختلف البلاد العربية و العالمية ، اذ يتفهم متطلباتهم و ما يسعون للوصول اليه .
و في وقت يحاول فيه جوجل بمعية الشركات التقنية العالمية فهم العقلية الصينية و التوصل الى حل نهائي لغزو سوق البحث الالكتروني هناك ، يعمل baidu بعيدا عن الأضواء لتعزيز خدماته و جودتها هناك و في نفس الوقت تلوح خطواته الى امكانية إستثمار قدراته و خبراته للتحول نحو العالمية حيث المواجهة ستكون مباشرة مع جوجل في أكثر من بلد حول العالم.
و قد أثبت baidu قدرته على أرشفة المواقع و الصفحات الصينية بسرعة كبيرة و توفير نتائج بحث جديدة على مدار الساعة ، في ظل كون اللغة الصينية الثانية من حيث الانتشار على الويب و التي تتميز بديناميكية كبيرة من حيث المحتوى الصيني الذي ينشر كل يوم.
من يقول أن مشكلة baidu هي ضعف الموارد البشرية و التقنية و المادية ، يجهل حجم هذه الشركة الصينية العملاقة و التي يصل سعر سهمها هذه الأيام الى 135 دولار فيما هناك شركات أخرى أمريكية شهيرة لا يصل سعر سهمها حتى الى النصف .
فالحقيقة تقول أن baidu يتوفر على خوادم متطورة و قواعد بيانات ضخمة إضافة الى مراكز متصلة بالإنترنت عالية السرعة تمكنه من الولوج الى الويب المحلي و العالمي لأرشفة الصفحات و مواقع الويب التي تصنف على أنها صينية و أسيوية ، و من يملك موقعا أو منتدى يدرك العدد الهائل للعناكب التي يملكها baidu و التي تديرها برامج و خواريزميات معقدة من مراكز تتضمن أجهزة كمبيوتر متطورة و بأعداد كبيرة.
لكن الى حد الأن النشاط الفعلي لهذا المحرك لا يزال محصورا على الويب الصيني و الأسيوي ، أما العالمي فلا بالرغم من كون زواحفه متواجدة حتى على المواقع العربية لكن كيف يمكن لها أن تقوم بأرشفة كل هذا المحتوى و تقديمه للمستخدم و هي مبرمجة على أرشفة المحتوى الصيني بشكل رئيسي.
حسنا دعونا نتصور سيناريوا يمكن له أن يقع في قادم الأيام و الشهور ، أقصد ماذا لو قرر بايدوا منافسة جوجل عالميا بعدما انتصر عليه محليا في الصين ، هل يمكن لمحرك baidu أن يضيق الخناق على جوجل ؟ أم أنه سينال حظه من الفشل أيضا ؟
إنها أسئلة تطرح نفسها بقوة ، و لا بد من وجود إجابات واقعية لها ، فالمتابع لخطوات baidu مؤخرا يستنتج مباشرة أن baidu يطمح نحو العالمية و إن كان هذا الأمر يتم ببطئ شديد لكون الأولوية المطلقة لا تزال هي البحث الالكتروني المحلي.
فخدمة إسأل بايدوا التي لم تلقى إقبالا كبيرا لغياب التسويق ، و توقيع إتفاقية شراكة مع بينج لعرض نتائج البحث الصينية لبقية الدول العالمية ، أقل الاشارات التي يهذف من خلالها baidu تجربة قابليته للنجاح في الأسواق العالمية و عندما يرى أن الوقت قد أن للعالمية فإنه لن يتوانى في القيام بخطوات جدية سريعة و منها توفير محرك البحث باللغات العالمية السبعة و منها العربية ، بالموازاة مع فهم العناكب لتلك اللغات للقيام بأرشفة المواقع و الصفحات حسب لغتها و أهميتها بسرعة كبيرة لتوفيرها للمستخدمين حسب متطلباتهم .
و لن يكون حينها من الغريب أبدا أن نرى اقبالا عالميا على baidu الذي سيكون سريعا في استيعاب الحجم الضخم لما ينشر من محتوى و توفيره للباحثين بسرعة ، و في حالة عمد المحرك الصيني للقيام بحملات إعلانية ضخمة أيضا فإن هذا الاقبال العالمي سيزداد عليه و سيكون أكثر جاذبية من جوجل الذي أصبح الملايين من الناس مستعدين لتركه بشرط أن يكون هناك بديلا قويا له و هو ما يبدوا عليه baidu في الصين و من غير المستبعد أن يكون كذلك عالميا.
و على هذا الأساس يمكنني القول شخصيا ، أننا سنرى حينها مواجهة شرسة بين العملاقين الأمريكي و الصيني على أسواق البحث الالكتروني لنرى أسواقا تحث سيطرة baidu و أخرى تحث إمرة جوجل ، لتنتج لنا بذلك مشهدا لن يكون جوجل فيها أبدا الحاكم الوحيد لعالم البحث الالكتروني العالمي ! بل عالما تطغى على جوانبه المختلفة اللون الأحمر و النجوم الصفراء.